ما تداعيات إغلاق مضيق هرمز على الإقتصاد العالمي وأي تأثير على تونس؟
رغم أن تونس لا تملك علاقات مباشرة قوية مع الدول المعنية بمضيق هرمز، إلا أن تداعيات أي تصعيد أو إغلاق لهذا الممر الحيوي لن تمر دون تأثير
أثار معزّ السوسي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، في تصريح لإذاعة موزاييك، جملة من السيناريوهات المتوقّعة بشأن احتمال إقدام إيران على تنفيذ تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، وبالأخص الجزء الشمالي منه الذي يقع تحت نفوذها.
ويُعدّ هذا الممر البحري أحد أهم الشرايين الحيوية في الاقتصاد العالمي، إذ تمرّ عبره يوميًا ما بين 20% و30% من إمدادات النفط والغاز، لا سيّما القادمة من كبرى الدول المنتجة في الخليج على غرار السعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، وسلطنة عمان.
بدائل محدودة وكلفة مرتفعة
ورغم وجود بعض البدائل التقنية لنقل النفط، مثل القنوات على الجانب الغربي في السعودية وقطر، إلا أن السوسي يؤكّد أنّها غير قادرة على تعويض الحجم الضخم الذي يمرّ عبر مضيق هرمز.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الخليجية التي يمكن أن تستفيد نسبيا من موقعها على البحر الأحمر لتوجيه بعض صادراتها النفطية عبر هذا المسار، إلا أن هذه القدرة تبقى محدودة، ما يجعل أي غلق فعلي للمضيق يُهدّد بإرباك الإمدادات العالمية.
ارتفاع قياسي متوقع في أسعار الطاقة
وفي صورة غلق المضيق لفترة طويلة، أشار السوسي إلى إمكانية أن تقفز أسعار النفط بصفة هائلة قد تصل إلى 120 أو 130 دولارا للبرميل في غضون أسابيع، نتيجة تراجع مخزونات الدول وصعوبة الوصول إلى الأسواق.
هذا الارتفاع سترافقه اضطرابات على مستوى سلاسل الإمداد العالمية، حيث ترتفع كلفة الشحن والتأمين والنقل بنسبة قد تصل إلى 30% من سعر السلع، مما يزيد الضغط على سلاسل التوريد والإنتاج.

ارتفاع قياسي متوقع في أسعار الطاقة
تحولات جيوسياسية واقتصادية
ويشرح السوسي أنّ تداعيات إغلاق المضيق لا تقتصر على ارتفاع أسعار الطاقة فحسب، بل إنّها قد تقود إلى تغيّرات أعمق على المستوى الجيوسياسي مما يعيد تشكيل سلاسل الإنتاج العالمية والعودة الاقتصاد المعتمد على القرب، خاصة إذا طال أمد الأزمة. ويؤثر ذلك بدوره على هيكلة العلاقات التجارية الدولية وتوزيع الاستثمارات.
تراجع نموّ الاقتصاد العالمي
وباعتبار أن الطاقة تمثّل مادة حيوي، يؤكّد معزّ السوسي أنّ أي اضطراب في سلاسل التزويد بها سيُفضي إلى تراجع على مستوى الطلب العالمي، ما من شأنه أن يُبطئ نسق النمو الاقتصادي ويزيد من حالة عدم اليقين التي تخيّم على الأسواق العالمية.

أي اضطراب في سلاسل التزويد بها سيُفضي إلى تراجع على مستوى الطلب العالمي
تداعيات غير مباشرة على تونس..وفرص متاحة
ورغم أن تونس لا تملك علاقات مباشرة قوية مع الدول المعنية بمضيق هرمز، إلا أن تداعيات أي تصعيد أو إغلاق لهذا الممر الحيوي لن تمر دون تأثير.
ويرى محدّثنا إلى أنّ بعدها الجغرافي عن مناطق التوتّر قد يجعلها وجهة أكثر أمانًا واستقرارًا بالنسبة للشركاء الأوروبيين والمستثمرين الأجانب، خاصة في ظل موقعها الجغرافي الاستراتيجي في جنوب البحر الأبيض المتوسط، والذي يُعدّ من أكثر المناطق أمانًا في محيطها الإقليمي.
وقد تستفيد تونس من إعادة التموقع الاستثماري العالمي، بحيث تصبح نقطة جذب للمستثمرين الباحثين عن بيئة أكثر استقرارا خارج مناطق التوتّر.
ضغوط على الميزانية والميزان التجاري
لكن معزّ السوسي أشار في المقابل إلى أنّ ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية سيُثقل كاهل المالية العمومية في تونس، نظراً لاعتمادها الكبير على توريد المحروقات، حيث يأتي نصف استهلاك البلاد من الطاقة من الخارج. وهو ما سيؤدي إلى تضخّم مستورد، وزيادة في العجز الطاقي، ومن ثم تفاقم العجز التجاري، مما ينعكس سلبا على توازنات الاقتصاد الوطني.
ويشير إلى أنّه في هذه التطورات يجعل من الصعب تقديم توازنات مالية دقيقة، باعتبار أن أسعار الطاقة وأسعار السلع المستوردة ستكون عرضة لتقلبات حادة في حال تفجّر الوضع أكثر.

ضغوط على الميزانية والميزان التجاري
انعكاسات على القطاع السياحي
من جهة أخرى، يلاحظ السوسي أنّ الوجهات السياحية في الشرق الأوسط مثل مصر والأردن ودول الخليج ستتأثّر جراء التهديدات الأمنية وغياب الاستقرار، ما سينعكس سلبًا على حركة الأعمال والسياحة والملاحة الجوية في تلك المناطق.
في المقابل، قد تستفيد تونس من هذه الأوضاع، خصوصا خلال الأشهر الأخيرة من الموسم السياحي، حيث يمكن أن تصبح وجهة بديلة للسياح الباحثين عن الاستقرار، مما ينعش النشاط السياحي في البلاد نهاية السنة.

معز السوسي، أستاذ الإقتصاد بالجامعة التونسية
فرصة لتعزيز الشراكة مع أوروبا
ويتابع السوسي أنّه مع التقلبات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط قد تلجأ الدول الأوروبية إلى تكثيف شراكاتها الاقتصادية والاستثمارية مع دول جنوب المتوسط، ومن بينها تونس. ويمكن أن يشكّل ذلك فرصة لتقوية العلاقات مع الشريك الأوروبي وتعزيز موقع تونس كوجهة استراتيجية بديلة ومستقر.
شكري اللّجمي